لماذا تتجاهل الجزيرة مسيرات المغرب التضامنية مع غزة؟

أنس السبطي

منذ بدايات العدوان الصهيوني على غزة مطلع أكتوبر لم تتوقف الأشكال النضالية المنددة به والمساندة لصمود الشعب الفلسطيني ومقاومته في المغرب والتي حظيت بتجاهل من مختلف وسائل الإعلام العربية وعلى رأسها قناة الجزيرة والتي لم يسترعها عددها الذي تجاوز المئات بكثير أو زخم بعضها الذي بلغ عشرات الآلاف من المشاركين فيها، مما جعل القائمين عليها يتسائلون عن السر وراء إدارة الظهر للحركة الواسعة المناهضة للكيان الصهيوني وللتطبيع معه، كما يتساءلون عن الشيء الذي يمكن أن يشفع لهم حتى تتفضل القناة المذكورة بتغطية جزء من فعالياتهم.

لقناة الجزيرة سوابق مع المغاربة، فالجزيرة منذ حوالي عقدين عملت على التعاطي مع شؤون بلادهم بالتهميش وعدم الاكتراث من جهة، ومن جهة أخرى حرصت على دعم الرواية الرسمية كلما ذُكِرَ المغرب على شاشتها، وقد بلغ الضيق بالشأن المغربي ذروته حين تم ابتداع نشرة الحصاد المغاربي وبثها في وقت متأخر يندر فيه من يشاهدها للتخلص من محتوى يصنف من الدرجة العاشرة.

وهكذا فقد شهدنا في تلك الفترة اختفاء شبه تام في النشرات الإخبارية الرئيسية لكل ما يعنى بالمغرب وشؤونه وفي الهوامش التي تُرِكَتْ غُيِّبَتْ فيها الأصوات المعارضة، ظهر ذلك جليا في تعتيمها على حراك 20 فبراير، كما أن تفاعلها مع زلزال الحوز حتى بعد مرحلة “الحصاد المغاربي” التي لم تغير فيها القناة من سياساتها التحريرية كثيرا، شهد تلميعا مجانيا للسلطة في الوقت الذي كانت فيه الوقائع على الأرض تقول عكس ما تروجه الجزيرة، حتى إن مواطنا أحرج مراسلة الجزيرة على الهواء مباشرة بعد أن قطع محادثتها لينفي كل مزاعمها.

عموما فقد كانت تغطية الجزيرة مُرضِية للأطراف الرسمية، فحتى تجاهل أخبار المغاربة يخدم السلطة ويعفيها من تبرير ممارساتها، لأنها تعلم أن كثيرا من محاولات تسويق نفسها انقلبت عليها وتحولت إلى فضائح بفعل قدراتها التواصلية المتواضعة، وهي مخيبة للآمال لمن كان يتوخى الإنصاف من قناة تمتلك رصيدا مهنيا معتبرا، لكن التوازنات السياسية التي حرصت الدبلوماسية القطرية تصريفها عبرها بشكل أكثر سفورا في الآونة الأخيرة خصمت من ذلك الرصيد وبددت جزءا من موضوعيتها التي بنتها منذ انطلاقاتها.

لا أحد يطلب من الجزيرة أن تهتم بشؤون المغرب على حساب البلدان التي تعاني من الحروب ومن الكوارث الإنسانية أو من الاضطرابات السياسية المزمنة، وإنما المطلوب أن يأخذ الحيز الذي يستحقه لا سيما أن جزءا من تغطية القناة للعدوان على غزة أضحى مكرورا فيما يرتبط تحديدا ببث الحوارات والمؤتمرات الصحفية المطولة لمسؤولين أمريكيين وصهاينة وبعض العرب، والذين لا يضيفون أي جديد لمواقفهم فضلا على التحليلات السياسية التي تدور في نفس الفلك طيلة أشهر هذه الحرب، فلا يعقل إذا ألا نجد متسعا بين كل هذا الهدر لتغطية بضع دقائق من وقفات ومسيرات المغرب.

لقد أسهمت الجزيرة وقنوات عربية أخرى بتركيزها على الحراك الغربي الذي أفردت له حيزا زمنيا كبيرا وتقزيمها لما يجري في بعض المناطق العربية والإسلامية إلى تغليط مشاهديها، فما يجري في شوارع المغرب مثلا لا يقل عن مظاهرات المدن الغربية رغم تضييق الخناق على مناصري فلسطين والزج ببعضهم في السجون بأحكام ثقيلة، حيث أصروا على انتزاع حق الاحتجاج في الشوارع، وقد كلفهم هذا تحمل ممارسات السلطات القمعية لا سيما أن الاحتجاجات تطال ملف التطبيع السيادي الذي يحرص النظام المغربي على تثبيته بكل الوسائل.

لسنا راضين عن عموم الحراك المغربي التضامني مع غزة ما دام لم يحقق هدف إسقاط التطبيع وكل الاتفاقيات المترتبة عنه، ويمكن أن نقدم عددا من الملاحظات عليه إن على مستوى إيقاعه أو على مستوى سقفه السياسي، لكن الإنصاف يقتضي أن يأخذ نصيبه إعلاميا، ولو أن الجزيرة أولت الاهتمام به لقلصت من جلد الذات الذي يحترفه البعض ممن يرسمون صورة قاتمة عن أوضاع شعوبنا، كأن كل قطاعاتها غير متهممة بجراحات أهل غزة النازفة مقابل تمجيد مبالغ فيه للمجتمعات الغربية ولشجعت على تقويته وعلى دفعه للانتشار في مناطق عربية وإسلامية أخرى.

قد يعجبك ايضا
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.