عادل العربي يكتب …لعبة السياسة في فرنسا والدولة العميقة

تشهد فرنسا في الفترة الأخيرة تحولات سياسية واجتماعية عميقة تعكس التحديات التي تواجهها البلاد على مختلف الأصعدة. السياسة الفرنسية، المعروفة بتعقيداتها وتنوع تياراتها، تعيش اليوم حالة من الفوضى والاضطراب يمكن وصفها بأنها تعبير عن صراع بين المؤسسات الديمقراطية التقليدية وما يُعرف بالدولة العميقة.

# الأزمة السياسية…

منذ انتخاب إيمانويل ماكرون رئيسًا للجمهورية في عام 2017، حاولت حكومته الدفع بإصلاحات اقتصادية واجتماعية واسعة النطاق. إلا أن هذه الإصلاحات، التي تهدف إلى تحديث الاقتصاد الفرنسي، قوبلت بموجات من الاحتجاجات والإضرابات. ومن أبرز هذه الاحتجاجات، حركة “السترات الصفراء” التي انطلقت في نوفمبر 2018 واستمرت لعدة أشهر، معبرة عن غضب شعبي تجاه السياسات الاقتصادية التي يعتبرها كثيرون جائرة على الطبقات المتوسطة والفقيرة.

# الدولة العميقة وتأثيرها…

مصطلح “الدولة العميقة” يشير إلى شبكة من القوى والمؤسسات غير المنتخبة التي تعمل في الظل، غالبًا لمصالح خاصة أو للحد من تأثير السياسات التقدمية. في فرنسا، يُعتقد أن الدولة العميقة تتألف من عناصر في الجيش، الشرطة، البيروقراطية، وبعض القطاعات الاقتصادية المؤثرة. هذه الشبكة تعمل على مقاومة التغييرات التي يطرحها الساسة المنتخبون، مما يؤدي إلى توتر وصراع دائم بين القوى الديمقراطية وتلك القوى الخفية.

#التحديات الاقتصادية والاجتماعية…

الاقتصاد الفرنسي يعاني من مشكلات هيكلية تتطلب إصلاحات جذرية. البطالة بين الشباب، عدم المساواة في الدخل، والتفاوت بين المناطق الريفية والحضرية هي بعض التحديات التي تواجهها فرنسا اليوم. محاولة ماكرون لتعديل قانون العمل وتخفيض الإنفاق العام لاقت مقاومة شرسة من النقابات العمالية وبعض الفئات الاجتماعية التي ترى في هذه الإصلاحات تهديدًا لمكتسباتها التاريخية.

# الهجرة والأمن…

الهجرة والأمن يعتبران من أبرز القضايا التي تثير الجدل في فرنسا. الهجمات  التي تعرضت لها البلاد في السنوات الأخيرة، مثل هجمات شارلي إيبدو وباتاكلان، عززت مناخ الخوف وعدم الثقة في الأوساط الشعبية، مما أثر على السياسات الداخلية والخارجية للدولة. سياسة الهجرة والانفتاح على اللاجئين تواجه انتقادات واسعة من الأحزاب اليمينية المتطرفة التي ترى فيها تهديدًا لهوية الدولة وأمنها.

# صعود اليمين المتطرف..

الانتخابات الأخيرة شهدت صعودًا ملحوظًا للأحزاب اليسار ، . هذا الصعود يعكس حالة الإحباط والاستياء من السياسات الحكومية وتوجهات الدولة العميقة. الشعبوية التي تتبناها هذه الأحزاب تجذب شريحة واسعة من الناخبين الذين يشعرون بأنهم متروكون من قبل النخبة السياسية التقليدية.

# المستقبل المجهول…

المستقبل السياسي لفرنسا يبدو غامضًا في ظل هذه التحديات والتوترات. قدرة الحكومة على تحقيق التوازن بين مطالب الشعب وإملاءات الدولة العميقة سيكون له دور حاسم في استقرار البلاد. الأوضاع الراهنة تتطلب حوارًا وطنيًا شاملًا يشمل جميع الفئات والتيارات السياسية، للوصول إلى حلول توافقية تضمن الاستقرار الاجتماعي والاقتصادي.

فرنسا تقف اليوم أمام مفترق طرق. القرارات التي ستتخذها القيادة السياسية في الفترة القادمة ستحدد مسار الدولة لأعوام عديدة. الأمل معقود على الحكمة والشجاعة السياسية لتجاوز هذه المرحلة الصعبة…

#عادل العربي

قد يعجبك ايضا
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.