الأحزاب السياسية بين الانحراف عن المسار وفقدان ثقة الشارع

لم تعد الأحزاب السياسية، التي كان يُفترض منها  أن تكون صوت الشعب وحاملة لهمومه اليومية، تؤدي دورها الطبيعي كوسيط نزيه بين المواطن والدولة. اليوم، تحولت أغلب هذه التنظيمات إلى مجرد دكاكين انتخابية، لا همّ لها سوى اقتسام الكعكة الانتخابية والتنافس على المناصب والامتيازات.

المشهد الحزبي في بلادنا يعيش أزمة عميقة، حيث فقدت السياسة معناها الحقيقي، وتحولت إلى مسرحية رديئة تُعاد فصولها في كل استحقاق انتخابي بنفس الوجوه، بنفس الخطابات المستهلكة، ونفس الوعود الكاذبة التي سرعان ما تتبخر بعد إعلان النتائج. هذا التكرار الممل جعل المواطن ينظر إلى الأحزاب باعتبارها وسيلة للاغتناء السريع والوصول إلى السلطة، لا كفضاء للتأطير وخدمة الصالح العام.

الأدهى من ذلك، أن المشكل لم يعد في عزوف المواطن عن صناديق الاقتراع أو فقدانه الأمل في جدوى المشاركة، بل في الأحزاب نفسها التي قتلت الثقة وأفرغت السياسة من قيمها النبيلة. فحين تُختزل الممارسة السياسية في الولاءات الضيقة، وفي صفقات الغرف المغلقة، وحين تُقدَّم المصالح الشخصية على المصلحة الوطنية، يصبح طبيعيًا أن يشيح المواطن بوجهه عن الشأن العام.

إن إصلاح السياسة يبدأ من إصلاح الأحزاب نفسها، بإعادة الاعتبار لها كمدرسة للتكوين والتأطير، وكفضاء للنقاش الفكري والسياسي، لا كجهاز انتخابي موسمي. المطلوب اليوم ليس تجميل الصورة ولا ترديد شعارات فارغة، بل تنظيف هذه التنظيمات من الانتهازية وإعادتها إلى مسارها الصحيح: خدمة الوطن والمواطن، بدل خدمة الجيوب والمصالح الضيقة.

فالسياسة، في جوهرها، التزام ومسؤولية وأمانة، وليست حيلة أو تجارة أو وسيلة للاقتناص. والمجتمع لن يستعيد ثقته إلا حين يرى في الأحزاب مرآة صادقة لهمومه وطموحاته، لا واجهة باهتة لصفقات نخبوية بعيدة عن همومه اليومية.

#ابو زيد ناصر الدين

قد يعجبك ايضا
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.